صناعة الجريمة تبدأ بطفولة أليمة
"صناعة الجريمة تبدأ بطفولة أليمة" ليست مجرد جملة أدبية، بل حقيقة اجتماعية ونفسية يجب أن نتعامل معها بجدّية. فالجريمة ليست وليدة اللحظة، بل نتيجة لتراكمات نفسية واجتماعية تمتد جذورها إلى مراحل الطفولة. في هذا المقال، نسلط الضوء على واحدة من أبرز الحقائق في علم النفس والمجتمع: الطفل الذي ينمو في بيئة يسودها العنف، الإهمال، والحرمان قد يتحول في المستقبل إلى مجرم. ليس لأنه شرير بطبعه، بل لأن تجاربه المؤلمة وظروفه القاسية، وطفولته التي طُبعت بالألم والإهمال، شكّلت سلوكه وشخصيته. فكيف يمكن أن تتحول معاناة الطفولة إلى سلوك إجرامي في الكبر؟ وما هو الدور الذي يجب أن تلعبه الأسرة والمجتمع للوقاية من هذا التحول الخطير؟من ضحية إلى جانٍ.. العوامل الخفية التي تصنع الجريمة من الطفولة
تُعدّ مرحلة الطفولة الأساس المتين الذي يُبنى عليه كيان الإنسان النفسي والعاطفي والاجتماعي، إذ تتكوَّن فيها ملامح الشخصية من خلال التفاعل المبكر مع البيئة المحيطة. وتمثّل كل تجربة يمر بها الطفل، سواء كانت إيجابية أو سلبية، بصمة عميقة في تشكيل سلوكه وتوجهاته لاحقًا. ولذلك، حظيت هذه المرحلة باهتمام بالغ من قبل علماء النفس والتربية لما لها من تأثير مستمر في مسار حياة الفرد. وتشير الدراسات النفسية والاجتماعية إلى أن الأطفال الذين يتعرضون لصدمات نفسية أو جسدية، أو ينشأون في بيئات مفككة وغير مستقرة، يكونون أكثر عرضة لتبني أنماط سلوكية عدوانية أو إجرامية في المستقبل. ومن أبرز العوامل السلبية التي قد تزرع بذور السلوك الإجرامي في الطفولة ما يلي:
تأثيرالإهمال العاطفي للطفل
عندما يُحرم الطفل من مشاعر الحب والحنان والاحتواء، يفقد إحساسه بالأمان ويبدأ في تطوير مشاعر سلبية تجاه ذاته والآخرين. الإهمال العاطفي لا يعني فقط غياب الكلمات الطيبة أو الحضن الدافئ، بل يشمل أيضاً تجاهل احتياجات الطفل النفسية ومشاعره، مما يجعله يشعر بعدم أهميته. ومع مرور الوقت، يؤدي هذا الفراغ العاطفي إلى فقدان الثقة بالذات وبالآخرين، وقد يتحول إلى عدوان داخلي أو خارجي يظهر في صورة سلوكيات غير سوية أو حتى إجرامية في مراحل لاحقة من الحياة.العنف الأسري داخل الأسرة
التعرض المستمر للعنف داخل الأسرة، سواء كان عنفاً جسدياً كالصراخ والضرب، أو عنفاً لفظياً كالإهانة والتهديد، يُشبع الطفل بمفاهيم خاطئة حول العلاقات الإنسانية. فالطفل الذي يعتاد رؤية العنف كأسلوب لحل النزاعات أو يعايش مشاهد الصراع بين والديه، يتشرب هذا النمط السلوكي ويميل إلى تكراره. وغالباً ما يفقد هذا الطفل قدرته على التفاعل السلمي، ويصبح العنف جزءاً من منظومته السلوكية، مما يجعله أكثر عرضة للانخراط في سلوكيات عدوانية أو إجرامية في المستقبل.
الاعتداءات الجسدية خلال مرحلة الطفولة
تُعدّ هذه من أخطر التجارب التي قد يمر بها الطفل، إذ تُحدث آثاراً نفسية عميقة تدوم طويلاً، مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، والقلق المزمن، والاكتئاب. وغالباً ما يفقد الطفل المعتدى عليه الشعور بالأمان، ويعاني من اضطراب في الثقة بالنفس وبالآخرين. وقد يظهر رد الفعل في صورة عدوانية مفرطة أو انطواء مرضي، كما أن بعض الأطفال قد يتجهون نحو الجريمة كرد فعل على الشعور بالقهر والظلم.تعرض الطفل للتنمّر
الطفل الذي يتعرض للتنمّر من أقرانه في المدرسة أو في الحي، يعيش في دوامة من الإذلال والرفض، مما يولد داخله مشاعر كراهية تجاه المجتمع. هذه المشاعر قد تتفاقم بمرور الوقت لتتحول إلى رغبة في الانتقام، أو في إثبات الذات بطرق سلبية مثل الانخراط في سلوك عدواني أو إجرامي. كما أن العزلة الاجتماعية تؤثر على نمو الطفل النفسي وتحرمه من فرص التعلّم الاجتماعي السليم.غياب القدوة الصالحة
الأطفال بحاجة ماسة إلى نماذج يُحتذى بها لتعلم السلوك القويم. لكن عند غياب الأب أو الأم، أو وجود قدوة سلبية كأب مدمن أو مجرم فإن الطفل قد يتبنى نفس القيم والسلوكيات السلبية التي يراها. إذ يُشكل غياب الإشراف الأسري فراغاً في التوجيه، ما يؤثر بشكل مباشر في بناء الضمير الأخلاقي لدى الطفل، ويزيد من احتمالية انجرافه نحو الانحراف أو الجريمة.
الفقر والحرمان الاقتصادي
العيش في بيئة تفتقر إلى الموارد الأساسية قد يزرع في الطفل مشاعر الدونية والحسد، ويشعره بعدم الإنصاف المجتمعي. وقد يرى في السرقة أو الاحتيال أو العنف وسيلة لتحقيق ما حُرم منه. فالفقر لا يُنتج الجريمة بالضرورة، لكنه يُعد من العوامل التي تزيد من احتمالية انحراف الطفل، خاصة إذا كان محروماً من الدعم النفسي والتربوي المناسب.كيف تتحول الطفولة الأليمة إلى جريمة؟
صناعة الجريمة، هي سلسلة من الظروف والعوامل التي تتضافر لتنتج في النهاية شخصية إجرامية. هذه العملية لا تبدأ فجأة، بل تنمو وتتغلغل في وجدان الطفل منذ لحظة ولادته، من خلال التربية الصارمة أو المهملة، الصدمات النفسية المتكررة، الفقر، والعنف الأسري أو المجتمعي. الطفل الذي يعاني في صغره دون أن يجد احتواء أو فهمًا، غالبًا ما يُصاب بخلل في إدراكه لنفسه وللعالم، ما يجعله أكثر عرضة لاتباع سلوكيات عدوانية أو إجرامية في المستقبل.
من خلال منظور علم النفس، يمكن القول إن المجرم لا يُولد، بل يُصنع. التجارب القاسية تترك بصماتها العميقة في الوجدان الطفولي، وتتحول إلى أنماط دفاعية تنفجر لاحقًا في صورة سلوك منحرف. إليك بعض الآليات النفسية التي تفسر هذا التحول:
الإسقاط النفسي: عندما يتحول الألم الداخلي إلى عنف خارجي
الإسقاط هو آلية دفاعية نفسية يلجأ إليها الإنسان دون وعي لينسب للآخرين مشاعره السلبية التي لا يستطيع التعامل معها. في سياق الجريمة، الطفل الذي يعيش ألمًا داخليًا عميقًا سواء كان بسبب إهمال، عنف، أو شعور بالرفض يجد نفسه غير قادر على التعبير عن هذا الألم. فيقوم بـ"إسقاطه" على الآخرين، فيراهم مصدر معاناته. وهنا، يتحول الطفل من ضحية إلى معتدٍ، فيُمارس العنف على من حوله لأنه يراهم سببًا لألمه، حتى وإن لم يكونوا كذلك. العنف هنا يصبح وسيلة تفريغ وغضب مكبوتين، يعكس فيه المجرم المستقبلي صورة آلامه على المجتمع.التعويض السلبي لإخفاء الشعور بالنقص
عندما يشعر الطفل بنقص داخلي سواء كان عاطفيًا، ماديًا، أو حتى شعورًا بالدونية فإنه يسعى إلى تعويض هذا النقص بطريقة مبالغ فيها. هذا ما يُعرف بآلية "التعويض". المجرم المستقبلي قد يشعر بأنه لا قيمة له، أو أنه ضعيف في نظر الآخرين، فيبدأ في السعي لاكتساب القوة والهيمنة كتعويض عن هذا الإحساس. لكن هذه القوة لا تكون إيجابية أو بناءة، بل تتحول إلى قوة عدوانية، تستهدف السيطرة على الآخرين، وربما إذلالهم أو إيذائهم. التعويض هنا ليس سلوكًا صحيًا، بل محاولة بائسة لخلق توازن نفسي مزيف، يُغطي به الإنسان على شعوره الداخلي بالعجز أو القصور.
التمرد على كل القواعد
الطفل الذي ينشأ في بيئة قمعية، حيث يُسلب منه حق التعبير أو يُعامل بازدراء، غالبًا ما يُكوِّن داخله نارًا من الغضب والرفض. هذا الغضب لا يختفي، بل يتراكم في الداخل حتى ينفجر لاحقًا في صورة تمرد على كل أشكال السلطة أو القواعد. التمرد ليس فقط رفضًا، بل هو ثورة على نظام ظالم عاشه الطفل في بيته أو مجتمعه. هذا السلوك قد يبدأ بمخالفات بسيطة، لكنه يتطور ليصبح سلوكًا إجراميًا حادًا. في حالات كثيرة، يكون المجرم مجرد طفل متمرد لم يجد من يحتوي تمرده، فتحول إلى خطر على المجتمع.
فقدان الضمير منذ الطفولة
الضمير لا يُولد مع الإنسان، بل يُبنى من خلال التربية، والتجارب، والمواقف الأخلاقية التي يتعرض لها الطفل منذ نعومة أظافره. الطفل الذي لا يجد من يُعلمه الفرق بين الصواب والخطأ، ولا يجد عقابًا عند الخطأ أو مكافأة عند الصواب، يُصاب بـ تبلّد أخلاقي يجعله غير قادر على الإحساس بالذنب. هذا ما يُسمى بـ"فقدان الضمير"، وهو أحد أخطر أسباب الانحراف السلوكي. المجرم الذي لا يشعر بالذنب، لا يرى في أفعاله الإجرامية شيئًا خاطئًا. بل ربما يراها مبررة أو حتى ضرورية، وهنا تكون الجريمة خالية تمامًا من أي رادع داخلي.
تشوه إدراك الطفل للواقع
من أخطر ما يُصيب الطفل المضطرب هو تشوه إدراكه للواقع. عندما يُعامل الطفل بعنف مستمر، أو يُحاط برسائل سلبية عن ذاته والعالم، يبدأ في تكوين صورة ذهنية عدائية عن كل ما حوله. يرى العالم مكانًا ظالمًا، قاسيًا، مليئًا بالخطر. هذا التشوه الإدراكي يجعله يعتقد أن العنف هو الطريقة الوحيدة للنجاة أو للرد على الظلم. يُبرر لنفسه الجريمة لأنها – من وجهة نظره – رد فعل طبيعي في عالم لا يرحم. هذا الإدراك المريض لا يحدث فجأة، بل يتكون تدريجيًا عبر سلسلة من التجارب القاسية التي شوهت رؤيته للحياة.ضعف الوازع الأخلاقي
الوازع الأخلاقي يتكون عندما يكون هناك تربية تحترم القيم، وتُعزز مبادئ مثل الصدق، الأمانة، والرحمة. لكن عندما يعيش الطفل في بيئة تفتقد للتوجيه، وتُشجع على الخداع أو الكذب أو القسوة، يضعف لديه هذا الوازع. وبالتالي، يصبح مستعدًا لارتكاب الأخطاء دون شعور بالخجل أو الندم. في حالات كثيرة، يكون الطفل قد رأى سلوكيات منحرفة من أقرب الناس إليه – الأب، الأم، الأخ – دون أن يتلقى أي توجيه يُخبره بأن ما يراه خطأ. هنا تبدأ الانحرافات الصغيرة، وتنتهي بأفعال إجرامية كبرى.
الانسحاب الاجتماعي للطفل
عندما يشعر الطفل بأنه غير مقبول، أو أنه لا ينتمي، يبدأ في الانسحاب من المجتمع. هذا الانسحاب لا يعني فقط العزلة، بل يعني أيضًا تكوين عالم داخلي مليء بالغضب والإحباط والكراهية. ومع الوقت، قد يتحول هذا الانسحاب إلى عدوانية صامتة، تنتظر لحظة انفجار. كثير من الجرائم لا تكون بدافع السرقة أو الطمع، بل بدافع الانتقام من مجتمع لم يمنح المجرم يومًا فرصة للشعور بالانتماء. الطفل المنعزل يصبح رجلاً ناقمًا، يعاقب المجتمع على وحدته، حتى وإن لم يكن المجتمع هو السبب المباشر في ألمه.التعلم بالملاحظة والتقليد
تُعد نظرية "التعلم الاجتماعي" للعالم ألبرت باندورا من أبرز النظريات التي فسرت كيف يكتسب الطفل سلوكياته. باندورا قال إن الطفل لا يتعلم فقط من خلال التلقين، بل من خلال الملاحظة والتقليد. فإذا نشأ الطفل في بيئة يسودها العنف، أو فيها شخصيات إجرامية تُمارس أفعالاً عدوانية أمامه، فإن احتمالية أن يُقلّد هذه السلوكيات تكون مرتفعة جدًا. الطفل يتعلم أن العنف وسيلة فعّالة للحصول على ما يريد، أو أن الكذب والخداع أسلوب طبيعي للعيش. وهكذا، تتحول السلوكيات التي رآها إلى نموذج يُحتذى، فيُعيد إنتاجها حين يكبر، مكررًا دائرة الجريمة من جديد.
سبل الوقاية والتدخل لمعالجة صناعة الجريمة
لمواجهة ظاهرة صناعة الجريمة، لا بد من معالجة جذورها في مرحلة الطفولة المبكرة. الطفل ليس مجرد ضحية، بل هو نواة يمكن أن تُنتج إما إنسانًا سويًا أو مجرمًا محتملًا، تبعًا لما يتعرض له من تجارب. بالتالي، يصبح التدخل المبكر أمرًا حتميًا، ويشمل عدة مسارات تكاملية تهدف إلى وقاية الطفل من الانزلاق نحو الانحراف، و من أبرز سبل الوقاية:
تعزيز الرعاية الأسرية
الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء شخصية الطفل، فإذا كانت مضطربة أو مفككة، فمن الطبيعي أن تتولد لدى الطفل اضطرابات نفسية. ولهذا، من الضروري توفير الدعم النفسي والاقتصادي للأسر الفقيرة أو التي تعاني من التفكك الأسري، عبر برامج اجتماعية تضمن الحد الأدنى من الاستقرار المعيشي والنفسي. إلى جانب ذلك، من المهم تثقيف الأمهات والآباء حول أساليب التربية الإيجابية، التي تُبنى على التفاهم والاحترام بدلًا من القسوة والتهديد. هذا النوع من التربية يُقلل من العنف الأسري، ويُعزز لدى الطفل الشعور بالأمان والانتماء، ما يقلل من احتمالية تحوله إلى شخصية عدوانية أو منغلقة على الألم.دور المدرسة
المدرسة ليست مكانًا للتعليم فقط، بل هي ثاني بيت للطفل، ومكان يُفترض أن يُحتضن فيه نفسيًا وعاطفيًا. لذلك، يجب أن يكون للمدرسة دور فعّال في الكشف المبكر عن الأطفال الذين يُظهرون سلوكيات عدوانية أو انعزالية، والذين ربما يعيشون صراعات داخلية نتيجة مشكلات أسرية أو بيئية. يجب أن تتوفر فرق دعم نفسي داخل المدارس، وتُدرّب المعلمات والمعلمين على كيفية التعامل مع الأطفال الذين يُظهرون مؤشرات خطر. كما ينبغي إدماج برامج تعليمية تركز على مهارات حل النزاعات بشكل سلمي، والتواصل الإيجابي، واحترام الاختلاف، مما يساعد الأطفال على بناء آليات دفاع صحية بدلاً من اللجوء إلى العنف أو الانحراف.
التدخل المجتمعي لاحتواء الأطفال في بيئات خطرة
لا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم دون احتواء أفراده، وخاصة أطفاله. التدخل المجتمعي يبدأ من إدراك أن الطفل المنحرف ليس مجرمًا، بل هو ضحية بيئة فشلت في احتوائه وتوجيهه. لذا، يجب إطلاق برامج إعادة تأهيل نفسية وسلوكية للأطفال المنحرفين، بدلًا من وصمهم وتهميشهم، لأن التهميش يُعمّق من شعورهم بالرفض، ويدفعهم أكثر نحو العنف. كما ينبغي إيجاد بدائل إيجابية لملء وقت الطفل، مثل الأندية الرياضية، وورش العمل الفنية، والدورات التطويرية. هذه الأنشطة تُسهم في بناء الثقة بالنفس وتخفيف الضغوط، كما تفتح أمام الطفل أبوابًا جديدة من الانخراط المجتمعي الإيجابي.
دور الإعلام من صحافة ووسائل التواصل الاجتماعي
الإعلام، سواء التقليدي أو الرقمي، يمتلك قوة هائلة في تشكيل وعي المجتمع والتأثير على الأطفال والمراهقين. لذلك، يتحمل الإعلام مسؤولية كبيرة في عرض النماذج الإيجابية بدلاً من تمجيد العنف أو تصوير الجريمة على أنها بطولة. يجب أن تُبث برامج توعوية موجهة للأسرة والطفل، توضح مخاطر العنف الأسري وأهمية التربية الإيجابية. كما يجب مراقبة المحتوى الرقمي على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة تلك التي تُروج للسلوكيات المنحرفة أو تُظهِر المجرمين كنجوم مجتمع. الإعلام القوي هو الذي يُسهم في صناعة الوعي، لا في صناعة المجرمين.الوازع الديني ودور الفقهاء والخطباء
الدين يلعب دورًا كبيرًا في ترسيخ القيم الأخلاقية والإنسانية في نفوس الأطفال. لذلك، من المهم أن يكون للفقهاء والخطباء دور تربوي توعوي يُركّز على نشر مفاهيم الرحمة، التسامح، والاحترام، بدلًا من الخطابات التي تزرع الكراهية أو التفريق. ينبغي على المؤسسات الدينية التعاون مع المدارس والمراكز المجتمعية لتقديم دورات تثقيف ديني معتدل، يعزز في الأطفال الحس الأخلاقي والرقابة الذاتية. التربية الدينية السليمة تُعدّ حصنًا متينًا ضد الانحراف، وتغرس في الطفل وازعًا أخلاقيًا يجعله يرفض الخطأ حتى في غياب الرقيب.
القوانين لحماية الأطفال
التشريعات الصارمة ليست كافية وحدها، لكنها ضرورية كخط دفاع قانوني. يجب تشديد العقوبات على من يُسيء معاملة الأطفال أو يُهمِل تربيتهم، سواء كان أبًا، أمًا، معلمًا أو أي شخص بالغ. كذلك، يجب إنشاء مراكز لحماية الطفولة تُسهّل الإبلاغ عن حالات العنف أو الإهمال، وتُوفّر المأوى الآمن للأطفال المتعرضين للخطر. على الدولة أن تضمن وجود آلية واضحة وفعالة للتدخل السريع، مع وجود كوادر مدرّبة على التعامل مع الأطفال من مختلف البيئات والظروف. القانون يجب أن يكون حاميًا لا رادعًا فقط، وأن يرسخ مفهوم أن الطفولة هي مسؤولية جماعية.و ختاما، الجريمة ليست قدرًا محتومًا، بل هي نتيجة سلسلة من الأحداث والظروف التي تتجذر في أعماق النفس منذ الطفولة. فكل طفل محروم من الحب، مغمور بالخوف، أو محاط بالإهمال، هو مشروع محتمل لشخصية مضطربة أو حتى إجرامية. إنّ الطفولة المؤلمة تترك ندوبًا لا تُرى بالعين، لكنها تصرخ في السلوك، وتظهر في انحرافات المستقبل. لذلك، فإن حماية الطفل من الألم النفسي والتفكك الأسري هو استثمار حقيقي في أمن المجتمعات وسلامتها.
الوقاية تبدأ من البيت، ويكتمل دورها في المدرسة، وتُعززها القوانين والإعلام والدين. وعندما تتكاتف هذه الجهات معًا، نتمكن من كسر سلسلة "صناعة الجريمة"، وتحويلها إلى سلسلة "صناعة الإنسان السوي".
برأيك! ما هو الدور الأهم الذي يجب أن نبدأ به فورًا لحماية الأطفال من الانحراف؟ الأسرة، المدرسة، المجتمع أم القانون؟ شاركنا رأيك.
"لا يوجد أطفال أشرار، بل هناك أطفال عانوا من الشر." — *د. أحمد عكاشة*